مفاتيح سورة ق .
أولاً: اسم السورة
وهذه السورة تسمى بما يلي :
1ـ سورة ق (1)
وذلك : لمفتتحها
ولعل ذلك ـ كذلك ـ لما ورد في السنن ، من مثل .. ما أخرجه مسلم وأهل السنن، وأحمد ، عن أبي واقد الليثي، قال : " كان رسول الله يقرأ في العيد بقاف واقتربت" (2).
2ـ سورة الباسقات (3)
وذلك : من قوله تعالى : (والنخل باسقات ) (4)
حيث إنه الوصف الوحيد بهذا اللفظ للنخل في القرآن الكريم ، ولم يرد إلا هنا فقط .
ويذكر الأستاذ موسى جار الله لها اسماً آخر هو :
3ـ سورة النخل (5)
ثم يقول : وحقها أن تسمى :
4ـ سورة القرآن (5)
وذلك : كما سميت سورة ( ن ) .. سورة القلم ، بالقسم في أولها. (5)
وهذه : ( ق والقرآن ..)
والختام بقوله تعالى : (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد)(6).
عدد : آياتها ، وكلماتها، وحروفها (7)
وعدد آياتها : (45) خمس وأربعون آية.
كلماتها : (375) ثلاثمائة وخمس وسبعون كلمة.
حروفها : (1474) ألف وأربعمائة وأربعة وسبعون حرفاً.
ترتيبها
مكية .. إلا آية [38] فإنها مدنية
أ ـ في المصحف .. بعد : سورة "الحجرات" ، وقبل : سورة "الذاريات".
ب ـ في النزول .. بعد : سورة "المرسلات" ، وقبل: سورة "البلد".
صلتها بما قبلها (
1ـ إذا كانت سورة "الفتح" : قد بينت ـ من جملة ما بينت ـ خصائص الجماعة المسلمة، ووعدت بانتصارها (9) .
وإذا كانت سورة "الحجرات" : قد جاءت لتبني هذه الجماعة بما يكافئ مهمتها (10).
فإن سورة " ق " : قد عالجت العقبتين اللتين سيصادفهما صاحب الدعوة الأول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والجماعة الإسلامية معه، ومن بعده كذلك .. وهما : التكذيب ، والعجب من مضمون الرسالة (11).
2ـ هذه السورة تكمل ما ذكرته سورة "الفتح" وسورة "الحجرات" من : بناء لخصائص الجماعة المسلمة وأفرادها.
وبيان ذلك :
أن سورة "الفتح" : قد حددت خصائص أهل الإيمان .. !!
وجاءت الحجرات : فأمرت بما يحفظها ويحافظ عليها، ونهت عما يشوبها أو يعيق التحلي والاتصاف بها .. !!
وقد جاءت " ق " تكمل ذلك ، وتدعو إليه ، وتحث عليه، ببيان خصائص أهل الجنة، حينما تقول : (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام..)(12).
في فضلها
كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد والجمع؛ لاشتمالهما على ابتداء الخلق ، والبعث ، والنشور، والمعاد ، والقيامة، والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب ، والترغيب والترهيب ، والله أعلم . (13).
" عن عبد الله بن عبد الله : أن عمر بن الخطاب ، سأل أبا واقد الليثي .. ما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ في العيد .. ؟ قال : بقاف واقتربت " (14).
وفي رواية لمسلم .
" عن أبي واقد قال : سألني عمر ـ رضى الله عنه ـ فذكره " (15) .
"وعن أم هشام بنت حارثة ، قالت : لقد كان تنورنا وتنور النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحداً ، سنتين ، أو سنة وبعض سنة، وما أخذت ( ق والقرآن المجيد ) إلا على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس. (16).
مما يدل على أنها من أعظم السور
في حديث مسلم: عن جابر بن سمرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان كثيراً ما يقرؤها في صلاة الفجر.
وعند ابن ماجه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها في الركعة الأولى من الفجر.
وعند أحمد ومسلم وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيد بـ (ق) و(اقتربت)
وروى أبو داود والبيهقي وغيرهما: كان يقرأ بها صلى الله عليه وسلم في كل جمعة ، على المنبر إذا خطب الناس.
ابن مردويه (تعلموا ق والقرآن المجيد ).
هدف السورة
معالجة العقبات التي تعترض الدعاة إلى الله تعالى .
تقسيمها (17)
هذه السورة تتكون من : مقدمة ، وثلاث فقرات .
المقدمة : عبارة عن (3) آيات.
من الآية الأولى ، حتى نهاية الآية (3).
وفيها :
عرض لموقف الكافرين .. من النذير ، وهو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن قضية البعث.
وهذا الموقف : هو التعجب ، والاستبعاد، والإنكار .. للنذير ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولما جاء به ، ومنه قضية البعث
والفقرة الأولى : عبارة عن (12) آية .
من الآية (4) حتى نهاية الآية (15) .
وفيها :
رد على موقف الكافرين : من النذير ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن البعث.
وذلك : بإثبات صفة القدرة لله عز وجل ، الذي لا يعجزه أن يبعث عباده ـ من خلال آثارها ومظاهرها في السماء والأرض والماء والنبات.
وبيان : أن تكذيبهم هذا ليس بدعاً في تاريخ البشر.
وإقامة الحجة عليهم : بالإنشاء الأول .
والفقرة الثانية : عبارة عن (22) آية .
من الآية (16) حتى نهاية الآية (37).
وفيها :
رد ـ ثان ـ على موقف الكافرين : من النذير ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومن البعث.
وذلك : بإثبات صفة القدرة، وصفة العلم، لله عز وجل ـ الذي لا يعجزه أن يبعث عباده ـ من خلال : التذكير بعلم الله بما في الأنفس ، وعرض صورة شاخصة واضحة عن الحشر والنشر، والحساب، ومن يربح فيه، ومن يخسر ، وكذلك التذكير بإهلاك الطغاة المكذبين من قبلهم.
والفقرة الثالثة : عبارة عن (
آيات.
من الآية (38) حتى نهاية الآية (45) وهي خاتمة آيات السورة.
وفيها :
رد ـ ثالث ـ على موقف الكافرين ، من النذير ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن البعث.
وذلك : بإثبات صفة القدرة لله تعالى ـ الذي لا يعجزه أن يبعث عباده ـ من خلال: التذكير بقدرته عز وجل، في خلق السموات والأرض، وإحياء الخلق، وإماتتهم، وبعثهم وحشرهم.
وبعد أن اكتملت الردود ، وقامت الحجج على منكري البعث.
رسمت ـ هذه الفقرة ـ الطريق إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأهل الإيمان : أن يصبروا ، وأن يعبدوا ، وأن يبلغوا ويذكروا بالقرآن.
أبرز موضوعات السورة الكريمة (18)
1ـ إنكار المشركين للنبوة والبعث.
2ـ الحث على النظر في السماء وزينتها وبهجة بنائها، وفي الأرض وجبالها الشامخات ، وزروعها النضرات، وأمطارها الثجاجات.
3ـ العبرة بالدول الهالكات كعاد، وثمود، وأصحاب الأيكة، وقوم تبع وما استحقوا من وعيد وعذاب.
4ـ تقريع الإنسان على أعماله، وأنه مسئول عن دخائل نفسه في مجلس أنسه وعند إخوته، وفي خلوته، وأنه محوط بالكرام الكاتبين، يحصون أعماله، ويرقبون أحواله حتى إذا جاءت سكرته، وحانت منيته ، حوسب على كل قول وكل عمل، وشهدت عليه الشهود، وكشفت له الحجب.
5ـ إنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً .
6ـ إن القرآن عظة وذكرى لمن كان له قلب واعٍ يستمع ما يلقى إليه.
7ـ تسلية رسوله على ما يقول المشركون من إنكار البعث وتهديدهم على ذلك.
8ـ أمر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتسبيح آناء الليل وأطراف النهار.
9ـ أمر الرسول بالتذكير بالقرآن من يخاف وعيد الله ويخشى عقابه.
دروس دعوية
1ـ (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ) 5
2ـ ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) 16
في الصحيح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (إن ربي تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تعمل ).
3ـ (عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) 17، 18
(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ... )
4ـ (وقال قرينه هذا ما لدي عتيد) 23
( قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد ) 27
(يوم يعض الظالم على يديه يقول ...)
5ـ ( هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ) 32
الأواب الحفيظ : الذي لا يجلس مجلساً فقط ثم يقوم منه حتى يستغفر الله.
6ـ (يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد ).
( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ).
* * *
الهوامش
ــ
1ـ انظر : السخاوي .. جمال القراء 1/37، الفيروزابادي .. بصائر ذوي التمييز 1/437 ، السيوطي .. الإتقان (النوع : 17) الشوكاني .. فتح القدير (س:50).
2ـ ؟؟
3ـ انظر : السخاوي .. جمال القراء 1/37 ، والسيوطي .. الإتقان (النوع: 17).
4ـ ق 10.
5ـ ترتيب سور القرآن وتناسبها ص 66.
6ـ ق 45.
7ـ انظر : مكي .. التبصرة ص 334، السخاوي .. جمال القراء 1/217 ، الفيروز ابادي .. بصائر ذوي التمييز 1/437، الألوسي .. روح المعاني (س:50)، نثر المرجان 7/2.
8ـ انظر : الأساس 9/5472.
9ـ اقرأ في سورة الفتح الآيات 4 ، 9 ، 10، 18، 19، 27، 29
10ـ اقْرأ سورة الحجرات
11ـ إقْرأ في سورة " ق " الآيات الخمس الأول ، ثم باقي السورة .
12ـ ق 31 ـ 35.
13ـ تفسير ابن كثير 4/221 ط . الحلبي.
14ـ رواه : مسلم ، وأهل السنن الأربعة ، من حديث مالك به.
15ـ رواه : مسلم.
16ـ رواه : مسلم من حديث ابن إسحاق به ، وأحمد.
17ـ الأساس 9/5451 وما بعدها.
18ـ تفسير المراغي 26/172.
بقلم فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر